اتخاذ القرار والصالح العام‏..‏ مبدأ مقبول في الإدارة

26-03-2012 08:41 PM - عدد القراءات : 12043
كتب أ د عطية حسين أفندي أستاذ الادارة العامة كلية الاقتصاد‏ جامعة القاهرة
في لقاء الاستاذ الدكتور علي الدين هلال وزير الشباب ـ وهو استاذ جامعي قدير وقائد إداري فعال ـ مع الاستاذ مجدي مهنا في برنامج في الممنوع الذي بثته قناة دريم مساء السبت‏2002/9/28,‏ وردت عدة أفكار وتعبيرات نحسبها نحن المنشغلين بالإدارة العامة غاية في الأهمية‏,‏ وقد استوقفني منها ما يتعلق بالمراجعة والمتابعة والتقييم والعدول عن قرار ما اتخذه القائد الإداري‏,‏

fiogf49gjkf0d
وجاء ذلك في معرض حديث السيد وزير الشباب في أكثر من موضوع منها ما ذكره سيادته حول أنه حين يتخذ قرارا كوزير مسئول عن الشباب والرياضة في وطننا الغالي‏,‏ فإن الهدف الأول والأخير هو بطبيعة الحال تحقيق الصالح العام‏,‏ وأن سيادته يراجع ويعاود التقييم ويعيد التفكير دون أدني إحساس بالحرج‏,‏ فاذا ما تبين لسيادته أن القرار الذي اتخذه لايحقق ذلك الصالح العام أو يحققه بدرجة أقل مما كان ينبغي‏,‏ فإنه يعدل عنه‏,‏ وأن سيادته يعتقد ـ وهذا حق ـ أن ذلك العدول إنما يضاف إلي رصيده ولايخصم منه‏.‏
ذكرني كل هذا الحديث بمقولة نرددها في محيط الجماعة العلمية المنشغلة بالإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة‏,‏ وهي مقولة طريفة في الإدارة الراجل اللي يرجع في كلامه وهذا عكس ما هو شائع في تراثنا الشعبي الراجل مايرجعش في كلامه‏.‏

والمعني الذي نقصده هو أن القائد الإداري حين يتخذ قرارا ما في شأن تنظيم أمر من الأمور أو حل مشكلة ما أو ما شاكل ذلك‏,‏ عليه المتابعة والتقييم الجاد لتنفيذ هذا القرار والتأكد من مخرجاته بحيث يكون محققا للصالح العام‏,‏ وأنه إذا ما ترتب علي تنفيذ هذا القرار مشكلات أكبر من تلك التي يهدف إلي معالجتها‏,‏ أو إهدار للموارد وفي مقدمتها مورد الوقت‏,‏ أو بصفة عامة جاءت آثاره السلبية أكبر من فوائده‏,‏ فإنه علي القائد الإداري أن يتراجع فورا عن الاستمرار في تنفيذ هذا القرار‏,‏ ويكون لديه اختيارات‏:‏ تجميد القرار‏,‏ تأجيله‏,‏ تعديله جزئيا‏,‏ تعديله كليا‏,‏ سعيا نحو توفير مقومات الرشادة والكفاءة والفعالية في ذلك القرار‏:‏
إذن علي القائد الإداري ألا يعاند‏,‏ وألا يكابر‏,‏ وألا يتأثر خوفا من القيل والقال‏,‏ أو اهتزاز صورته أمام مرؤوسيه‏,‏ أو مساعديه‏,‏ أو حتي أمام الرأي العام‏,‏ عليه أن يتجرد ويسمو ويصبح ولاؤه لا لشخصه ولكن للمنظمة أو الهيئة أو الوزارة التي يمثلها‏.‏

ونحن نميز في مجال القرارات بين عملية صنع القرار واتخاذ القرار‏,‏ الأولي عملية ديناميكية واسعة تشترك فيها أطراف عديدة‏:‏ خبراء ـ مستشارون ـ نظم معلومات ـ خبرات سابقة‏,‏ وما إلي ذلك‏,‏ بينما اتخاذ القرار تصرف يقوم به فرد واحد فقط متخذ القرار أيا كان موقعه‏,‏ ويتم فيه البت النهائي أو الاختيار من بين البدائل المتاحة‏,‏ وفي هذا السياق وحتي لايكون رجوع القائد الإداري في كلامه أمرا متكررا يضربا المنظمة‏,‏ فإننا نوصي بأن تتم عملية صنع القرار بكل الدقة والكفاءة اللازمة سواء فيما يتعلق بتشخيص المشكلة أو جمع المعلومات بشأنها أو الوقوف علي اسبابها ثم اقتراح البدائل لحلها في ضوء الامكانات والموارد المتاحة والبيئة الداخلية للمنظمة والبيئة الخارجية لها‏,‏ ونحسب أن إتقان هذه العملية‏,‏ أي عملية صنع القرار ستؤدي إلي انتاج قرارات رشيدة تحقق الصالح المنشود‏,‏ ولا يضطر متخذ القرار إلي الرجوع عنه‏,‏ ومع ذلك كله يبقي المبدأ الذي أشرنا إليه في المقدمة صالحا وهو الرجوع إلي الحق فضيلة أو بالتعبير الطريف في الإدارة الراجل اللي يرجع في كلامه‏.‏
وفقنا الله جميعا إلي خدمة الوطن الحبيب كلا في موقعه‏.‏

42304

‏السنة 126-العدد

2002

اكتوبر

3

‏26 من رجب 1423 هـ

الخميس