fiogf49gjkf0d اولا: الصراع حول المستعمرات ( النظرية اللينينية )
نجد ان لينين قدم لنا تفسيراً لنشوب الحرب العالمية الاولى اساسه ان تلك الحرب كانت نتيجة للصراع بين الدول الاوروبية الراسمالية للسيطرة على المستعمرات . فالحرب العالمية الاولى كانت حربا استعمارية لتقسيم واعادة تقسيم المستعمرات ومناطق النفوذ الراسمالية المالية . فنجد ان لينين اكد ان تلك الراسمالية تتجه نحو تركز الانتاج ، وتحول المنافسة الى الاحتكار ، وسيطرة راس المال عموماً الى سيطرة راس المال المالى . واهم ما يميز الاخير هو التحكم الاحتكارى للبنوك فى عمليات التمويل الراسمالى ، وتركز الارباح فى يد اقلية احتكارية ، ويرتبط بذلك اتجاه الراسمالية الى تصدير فائض راس المال الى الخارج . ذلك انه مع نمو الراسمالية المالية وزيادة الانتاج تقل القدرة الاستيعابية للسوق الداخلية وتنشأ الحاجة الى اسواق خارجية للاستثمار وللحصول على المواد الخام ايضاً مما يمهد الطريق لنشوء الظاهرة الاستعمارية حيث توفر السيطرة العسكرية الحماية لرؤوس الاموال فى الخارج وبالذات فى المستعمرات مع تكوين كارتلات احتكارية دولية ومن ثم فقد قسمت الدول المصدرة لرأس المال العالم فيما بينها الى مناطق هيمنة استعمارية وهذا هو المقصود بالاستعمار كاعلى مراحل الراسمالية . ويضيف لينين ان العالم قد تم تقسيمه بين ستة دول راسمالية محورية ولما كانت هناك دول راسمالية جديدة ( المانيا ) تحاول الدخول الى الميدان الاستعمارى من خلال انتزاع جزء من العالم الذى تم تقسيمه فقد اصبح التناقض الراسمالى الدولى هو سمة العلاقات الدولية فى اوائل القرن العشرين مما مهد الطريق لنشوب الحرب العالمية.
حيث نجد ان العقدين السابقين لنشوب الحرب العالمية الاولى شهدا تنافساً بين بريطانيا والمانيا على الاسواق الاوروبية واستطاعت المانيا ان تنهى التفوق الذى كانت بريطانيا تتمتع به فى تلك الاسواق حتى نهاية القرن التاسع عشر بل وتفوقت عليها فى بعض الحالات فقد زادت الصادرات الالمانية الى بلجيكا وهولندا واسبانيا والبرتغال وايطاليا وروسيا ومعظم دول البلقان على الصادرات البريطانية بعد ان كانت الاخيرة تتمتع بمركز متفوق فى تلك الدول فى نهاية القرن التاسع عشر ، لكن التنافس البريطانى – الالمانى فى ميدان الصادرات وما ادى اليه من فقدان بريطانيا لمركزها المتفوق لم ينعكس بالضرورة على قرار الدولتين بالدخول فى الحرب فرغم فقدان بريطانيا لمركزها التصديرى فى اوروبا الا ان الصادرات البريطانية استمرت فى النمو ، كما ان رجال الاعمال البريطانيين كانوا يعارضون دخول حرب مع المانيا وذلك ما اكده السفير الالمانى فى بريطانيا سنة 1911. كذلك فالاقتصاد الالمانى كان قد وصل قبيل نشوب الحرب العالمية الاولى الى حالة من الازدهار تمثلت فى زيادة قيمة الصادرات وانخفاض نسبة البطالة ومن ثم لم تكن المانيا ممهدة بفقدان وضعها المتميز فى السوق الاوروبية ، كما كانت قد فتحت امام المانيا امكانيات توسيع نطاق صادراتهم الى الدولة العثمانية وفى افريقيا وذلك من خلال الاتفاقات التى عقدت مع بريطانيا . ولا شك ان هذه المنافسات الاقتصادية والمالية قد لعبت دورا فى اذكاء التوتر بين الدول الكبرى ولكنها لا تفسر وحدها نشوب الحرب العالمية الاولى .
ثانيا: نظرية اختلال توازن القوى
طبقا لهذه النظرية فان شعور النمسا والمجر بقوتها ازاء صربيا وروسيا دفعها الى انتهاز الفرصة لتحقيق التسوية الحاسمة للمشكلة الصربية . والواقع ان لهذه النظرية جذوراً فى علم العلاقات الدولية اذ يرى بعض الباحثين ان اختلال توازن القوى من شأنه ان يغرى الطرف القوى بتوظيف قوته لتحقيق مصالحه فى مواجهة الطرف الاضعف وهو ما فعلته النمسا والمجر فى مواجهة صربيا . كان توازن القوى بين النمسا والمجر من ناحية وصربيا وروسيا من ناحية اخرى لصالح الاولى ، ولكن النمسا والمجر كانت تعلم ان التوازن لابد ان يشمل بريطانيا ، وفرنسا والمانيا ومن الثابت ان توازن القوى بين النمسا والمجر والمانيا من ناحية ودول الوفاق الثلاثى من ناحية اخرى كان فى صالح الاخيرة . ومن ناحية ثالثة فان توازن القوى الاقتصادى كان فى صالح دول الوفاق الثلاثى فالصناعة الالمانية كانت تعتمد على استيراد المواد الاولية من الخارج ، كما كانت المانيا تستورد نسبة كبيرة من المواد التموينية اللازمة لها وقد استغلت بريطانيا نقطة الضعف هذه ففرضت حصاراً بحرياً على المانيا ، وبالعكس فان فرنسا وبريطانيا كانتا تتمتعان بالمواد الاولية نتيجة سيطرتهما على المستعمرات واعتمادهما على الاستيراد من الولايات المتحدة ، ومن ثم فان الدول التى كان التوازن الشامل مختلا ضدها هى التى بادرت بالحرب وليس كما تتوقع نظرية اختلال توازن القوى التى لا تنهض كعامل مفسر لنشوب الحرب العالمية الاولى .
ثالثاً: نظرية التحول فى ميزان القوى
يرى تايلور ان السبب الحقيقى لنشوب الحرب العالمية الاولى ان ميزان القوى كان يتحول ضد المانيا ، ومن ثم فقد فضلت الاخيرة خوض حرب شاملة فى ذلك الوقت بدلا من الانتظار لفترة اطول قد يتحول ميزان القوى ضدها نهائياً . ويفسر ذلك فى راى تايلور تحريض المانيا للنمسا والمجر على شن الحرب على صربيا . ويوافق على هذا التفسير رونوفان الذى يرى انه لم يكن فى نية النمسا والمجر حين وجهت الانذار الى صربيا فى 23 يوليو خوض حرب عالمية ، ولكنها رات فى حادثة سراييفو فرصة لمواجهة خطر الحركة السلافية الجنوبية وللقضاء على صربيا زعيمة الحركة ، وان النمسا والمجر رفضت عرض بريطانيا باحتلال بلجراد ثم الدخول فى مفاوضات مع صربيا وذلك لانها كانت تعلم ان توازن القوى يسير لغير صالحها خاصة ان برنامج تسليح روسيا حليفة صربيا كان يسير بخطى ثابتة . وهذا التفسير ينهض كمفسر لقرار النمسا والمجر بدخول الحرب مع صربيا ولكنه لا يفسر قرارات الدول الاخرى بدخول الحرب .
رابعاً: نظريات تعارض المصالح بين الدول الكبرى
هناك عدة نظريات لتفسير نشوب الحرب العالمية الاولى تدور حول وجود تعارض جذرى فى المصالح بين الدول الكبرى ادى الى نشوب الحرب :
فهناك اتجاه يرى ان جذور الحرب العالمية تكمن فى التحدى الذى واجهته بريطانيا مع مطلع القرن العشرين من المنافسين التقليديين ( فرنسا، وروسيا ، والمانيا ) ومن القوى الدولية الجديدة ( اليايان ، والولايات المتحدة ) . فقد واجهت بريطانيا التحدى الروسى فى آسيا ، والتحدى الفرنسى فى افريقيا ، والتحدى الالمانى فى اوروبا. وقد كان التحدى الالمانى هو الاخطر لانه كان يعنى هيمنة المانيا على اوروبا ، وزاد من خطورة ذلك ان المانيا تحدتها ايضا فى مجال التسلح البحرى. وقد كانت تلك التحديات تعنى ان بريطانيا تواجه خطر العزلة الدولية . وقد سعت بريطانيا الى حل تلك المعضلات عن طريق الاقلاع من الاعداء المحتملين . وهكذا دخلت فى وفاق مع فرنسا وآخر مع روسيا وذلك لمنع احتمال التحالف بين المانيا وهاتين الدولتين . ولا يعنى ذلك ان التنافس بين القوى الدولية كان هو الدافع نحو نشوب الحرب لان هذا التنافس كان يتجه نحو التسوية ، ولكنه يعنى ان البنية التعددية للنظام العالمى قبل الحرب العالمية الاولى ، وما اتسمت به من احتمالات التحالف بين القوى المناوئة لبريطانيا مما يهدد مركزها العالمى ، دفع بريطانيا الى بناء تحالفات مع روسيا وفرنسا مما ادى بدوره الى تخوف المانيا بدورها من احتمالات عزلتها مما مهد الطريق لنشوب الحرب العالمية الاولى .
اما الرؤية الثانية للتعارض فى المصالح فانها تركز على ان مصالح الدول الكبرى كانت تقتضى ان تقوم الدول الاعضاء لكل حلف بسحق الدول الاعضاء فى الحلف المضاد .فالمانيا كانت تسعى نحو التوسع الخارجى للحصول على المواد الاولية اللازمة للصناعة وفتح اسواق جديدة بعد انتشار الثورة الصناعية فيها . وهو ما يعنى بالضرورة منافسة بريطانيا فى ميدان الاقتصاد العالمى ، وهو ما يتطلب الهيمنة على اوروبا وامام فشل استراتيجية العصبة القارية اصبحت الحرب هى الاداة الوحيدة لتحقيق هدف الهيمنة على اوروبا . وقد ادى ذلك الى سعى بريطانيا الى القضاء على المانيا كقوة كبرى لان الهيمنة الالمانية على اوروبا تتعارض مع مصالحها ، من ناحية اخرى فان النمسا والمجر صممت على سحق صربيا لان استمرار الدعاية الصربية يهدد مصالحها . وهكذا فان الحرب العالمية الاولى تكاد تكون نتيجة لتضارب المصالح الحيوية للدول الكبرى ، ولم تكن الازمات العديدة والمتلاحقة التى ثارت بعنف منذ اوائل القرن العشرين سوى تعبيرا عن تضارب هذه المصالح .
خامسا: الجذور الداخلية للحرب العالمية الاولى :
يعود الجذر الداخلى الاول للحرب الى ادراكات القيادات السياسية فى النمسا والمجر والمانيا . فقد اعلن الامبراطور فرانسوا جوزيف الحرب على صربيا رغم انه كان يعلم ان توازن القوى الشامل ليس فى مصلحة دول الحلف الثلاثى ، حيث يرجع هذا الى ادراك امبراطور النمسا والمجر للاهانة التى لحقت النمسا والمجر نتيجة اغتيال ولى العهد على يد دولة صغيرة ، وان هذا الادراك للاهانة قد تغلب على ادراك امبراطور النمسا والمجر بان توازن القوىليس فى صالحه . ومن ثم فان حالة الحرب العالمية الاولى تلقى الكثير من الشك حول صدق نظرية توازن القوى التى تقول ان الدولة الاضعف لن تجرؤ على اتخاذ قرار بشن الحرب ضد الدولة الاقوى . فالدولة الاضعف يمكن ان تتخذ هذا القرار اذا لحقت بها اهانة قومية تطغى على ادراكها لتوازن القوى . وانه اذا كان ادراك القلق ، الخوف ، التهديد ، الاهانه كبيرة الى درجة كافية ، فان ادراك صانع القرار لتواضع قدرت دولته لن يشكل رادعاً له له من قرار اتخاذ الحرب . ونجد ان هذه الملاحظة تنطبق ذاتها على المانيا فقيادات الحلف الثنائى لالمانيا والنمسا والمجر كانت اكثر شعورا من قيادات الوفاق الثلاثى بان هناك تهديداً جوهرياً موجهاً الى امنها القومى وان عليها التعامل مع هذا التهديد حتى فى ظل اختلال التوازن ضدها .
اما الجذر الثانى فيقدمه فريتز فيشر وهو يرى ان القرار الالمانى بدخول الحرب كان ناشئا عن تطلع المانيا الى تحقيق الهيمنة على اوروبا القارية ، وضمان الوضع الدولى لالمانيا كقوة عظمى ، ولتحقيق هذين الهدفين سعت المانيا الى اشعال حرب اوروبية تضمن سحق القوى المنافسة . بالاضافة الى ذلك فان النخب الحاكمة فى المانيا سعت الى تعزيز مكانتها فى المجتمع الالمانى عن طريق شن حرب خارجية . |