الإثنين,25 أكتوبر 2010 - 11:12 م : 24051
"هذه أسوأ كارثة إنسانية في العالم" ذلك كان توصيف المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن، إذ هو يتدخل سريعا جدا في أزمة دارفور -غربي السودان-، ويصدر قراره الحاسم الذي يهدد الخرطوم بعقوبات إذا لم تلتزم الجدية لاحتواء هذه الكارثة.
edf40wrjww2article:art_body
fiogf49gjkf0d
ومن ثم لم تكن مشكلة دارفور وليدة اليوم ولم تكن أيضا وليدة الإحداث الطارئة في السنوات الأخيرة وإنما هي حصيلة لنزاعات وتراكمات ورواسب ساهمت فيها الأوضاع السياسية والنخبة الحاكمة في السودان منذ الاستقلال.
وظلت هذه الأزمة مكتومة حتى تحولت من صراع محلي ونزوح داخلي إلي تمرد مسلح ضد الحكومة له أهداف سياسية وارتباطات خارجية
ويشكل الإقليم نقطة تماس مع ما يعرف بالحزام الفرنكفوني (تشاد، النيجر، أفريقيا الوسطى، الكاميرون) وهي الدول التي كانت تحكمها فرنسا أثناء عهد الاستعمار، وهذا يبرر الاهتمام الفرنسي بما يجري في الإقليم في الوقت الراهن.
ولم يتطور الصراع إلي صراع سياسي عسكري وتمرد مسلح إلا بعد قيام مجموعة مسلحة من أبناء الفور الذين تحالفوا مع الزغاوة باحتلال مدينة قولو عاصمة محافظة جبل مرة بغرب دارفور في 19 يوليو 2002م حيث تم لأول مرة إعلان الحركة المسلحة وتوزيع منشورات سياسية باسم جيش تحرير دارفور وحدد أهداف الحركة الجديدة في تحرير الإقليم من سيطرة الشماليين بحجة مساهمتهم في تردي الخدمات وتهميش المنطقة.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة إنكار علاقاتها بالجنجويد إلا أن كل القرائن -حسب أوساط المعارضة- تدل على وجود هذه العلاقة والتنسيق بل أن الجنجويد في نظر مواطني دارفور الوليد الشرعي لحكومة الإنقاذ
ونتيجة لتطورات الأوضاع وتفاقهما بعد لجوء أكثر من 200 ألف سوداني إلى تشاد اضطرت الحكومة تحت الضغط العالمي خاصة من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية إلى الاعتراف بحجم المشكلة وطالبت المجتمع الدولي بتقديم الدعم الإغاثي للاجئين والنازحين ولكنها لم تعترف بأسباب نزوحهم وأصبحت دارفور محط أنظار العالم حيث زارها أكثر من 21 وفدا دوليا خلال فترة قصيرة
يقع إقليم دارفور في أقصى غرب السودان، وتشكل حدوده الغربية الحدود السياسية للسودان في تلك الجهة مع ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، وتسكنه عرقيات إفريقية وعربية؛ من أهمها "الفور" التي جاءت تسمية الإقليم منها، و"الزغاوة"، و"المساليت"، وقبائل "البقارة" و"الرزيقات". وتمتد جذور بعض هذه المجموعات السكانية إلى دول الجوار، خاصة تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.
و يقدر عدد سكان دارفور بستة ملايين نسمة موزعين على عدد من القبائل الأفريقية والعربية يجمعها الإسلام والمصاهرات وتفرق بينها الأعراق والمصالح والسياسة.
ويمثل إقليم دارفور نظرا لحدوده المفتوحة ولمساحته الشاسعة ولوجود قبائل عديدة لها امتدادات داخل دول أفريقية أخرى، منطقة صراع مستمر.
فلقد تأثرت المنطقة بالصراع التشادي-التشادي والصراع التشادي-الليبي حول شريط أوزو الحدودي، وبالصراعات الداخلية لأفريقيا الوسطى فراجت في إقليم دارفور تجارة السلاح وبالتالي قاد إلى ظاهرة النهب المسلح التي استفحلت بالمنطقة متزامنة مع ظاهرة الجفاف والتصحر وراح ضحيتها أكثر من 15 ألف مواطن من بينهم 3500 شرطي.
وقد أثرت الهجرات التشادية إلى دارفور بسبب تدهور الأوضاع في تشاد والجفاف والتصحر أمنيا بشكل كبير على الأوضاع في الإقليم خاصة في تطور أحداث النهب المسلح وانتشار السلاح وأصبحت كل الماشية السودانية المنهوبة تتجه برا إلى تشاد واشتركت في عمليات النهب عسكريون سابقون من الجيش التشادي وأفرادا من القبائل العربية وقبيلة الزغاوة من تشاد والسودان.
وقد استوطن أكثر من ثلاثة ملايين تشادي السودان نصفهم بدارفور خاصة في المناطق الحدودية الجنوبية الغربية والشرقية مند جنوب دارفور علما بان هناك أكثر من 50 قبيلة مشتركة بين السودان وتشاد وأصبح العنصري التشادي سواء من القبائل الأفريقية مثل الزغاوة أو العربية القاسم المشترك في التدهور المنى بدارفور على مدي السنوات الماضية وحتى الآن.
ففى عام 1986 في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي ا تجمعت بعض القبائل العربية تحت مسمي التجمع العربي بدعم من حزب الأمة في مواجهة قبيلة الفور التي يدعمها الحزب الاتحادي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحكومي. وقد استطاعت حكومة الإنقاذ إجبار الطرفين للتوصل إلي اتفاقية صلح قبلي هش في أيامها الأولي إلا أن الصراعات القبلية تواصلت بعد عام 1993 في مختلف مناطق دارفور الشمالية والغربية بين القبائل العربية والأفريقية خاصة قبائل الفور والمساليت والزغاوة.
وفي عام 2003 تحولت دارفور إلي منطقة عمليات عسكرية تماما لمواجهة التحالف الجديد خاصة وان الحكومة بدأت في التنبه لخطورة الادعاءات التي بدأت تنشر من أن مسلحي الزغاوة يسعون لإقامة "دولة الزغاوة الكبرى" والتي تضم دارفور وتشاد وأجزاء من ليبيا والنيجر.
وقد استفاد التجمع العربي من هذا الادعاء في التقرب من الحكومة والتنسيق معها لمواجهة التهديد الجديد وقد تزامن ذلك مع انضمام أعداد كبيرة من أبناء الزغاوة من الإسلاميين إلى الحركة المسلحة والتي غيرت اسمها إلى "حركة تحرير السودان" والى حركة العدالة والمساواة والتي أسسها القيادي الإسلامي السابق الدكتور خليل إبراهيم.
وأصبحت للحركتين قوات منظمة حيث تملك الحركة الشعبية أكثر من 16 ألف جندي فيما تملك حركة العدالة حوالي 9 آلاف كما أصبح لهما برنامج وخطاب سياسي يطالب بتحقيق المساواة في السلطة والثروة لجميع أبناء المناطق المهمشة في السودان.
وأدت هذه الأحداث إلي لفت انتباه العالم والرأي العام المحلي داخل السودان الذي ربما لم يسمع من قبل بالتمرد المسلح. رغم أن المتمردين كانوا قد سيطروا على مناطق جبل مرة وأجزاء واسعة من مناطق الزغاوة في شمال الإقليم على الحدود الشمالية الغربية مع تشاد وليبيا وأدت العملية محليا إلي عدة نتائج سلبية حيث أوقفت الحكومة المفاوضات التي كان يجريها والي شمال دارفور الفريق إبراهيم سليمان لحل القضية سلميا بالاستجابة للمطالب الشعبية.
وبدأت الحكومة في التعبئة لسحق التمرد عسكرياواستفادت من مليشيات القبائل العربية في منطقة جبل مرة والتي كانت تقاتل الفور والزغاوة تحت اسم" الجنجويد(كلمة "جنجاويد" مكونة من ثلاثة مقاطع وتعنى الرجل الذي يركب جوادا ويحمل مدفعا رشاشا وهؤلاء غالبا ما يلبسون ثيابا بيضاء مثل أهل السودان، ويركبون الخيل، ويهاجمون السكان والمتمردين معا في دارفور)".كما استفادت من الوجود المسلح لبعض العناصر الأجنبية التي دخلت السودان عبر الحدود مع ليبيا ووصلت إلى مناطق وادي صالح بغرب دارفور وأغلبها من العناصر العربية التي كانت تستهدف تشاد في الأساس.
وتكاتفت القبائل العربية بشمال وغرب دارفور بعد أن وفرت لها الحكومة السلاح والأموال وظهرت ما يعرف بمليشيات الجنجويد والتى تحولت من أداة لقتال المتمردين إلي أداة هدم ضد المواطنين العزل واستغلت الأوضاع لصالحها وقد ترتب علي عملياتها الوضع المأساوي الذي تعيشه دارفور حاليا والتي لم تعرفه عبر تاريخها الطويل حيث لأول مرة يهاجر السودانيون إلى تشاد بدلا من استقبال السودان للاجئين التشاديين كما هو معروف عادة.وأصبحت دارفور بسبب التمرد وعمليات الجنجويد منطقة طاردة للسكان وقد تركت هذه العمليات أوضاعا سلبية علي الوضع الاقتصادي
رغم التهديد من قبل الدول الغربية بالتدخل في السودان إلا أن ذلك غير وارد حاليا وأن أي تدخل خارجي سيكون أفريقيا في المرحلة الأولى وان الدور الغربي يبقى فقط في توفير التمويل للقوات التي يرسلها الاتحاد الأفريقي للمنطقة وان هناك أحاديث لم تتبلور بعد حول مشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق بقوات لحفظ السلام في المنطقة وان الدول الغربية قد تكون لديها خطط مستقبلية إذا فشل الاتحاد الأفريقي تقوم على إنشاء مناطق آمنة يمنع فيها وجود عسكري حكومي لحماية النازحين.