الخميس,12 يوليه 2012 - 02:10 ص
: 23597

كتب الباحثة: عبير الفقي بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية
berbera72@yahoo.com
يعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تضافرت مجموعة من العوامل علي تقسيم السودان معنويًا قبل أن تصبح حدوديًا في القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر. قامت السياسات الاستعمارية علي اظهارالاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدي الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق.وبعد جلاء القوات بريطانيا وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة، وهو الأخذ بنظام الفيدرالية،
fiogf49gjkf0d
ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي. في أغسطس 1955 تمرد بعض أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني بإيعاز من المملكة المتحدة ضد الشمال، حيث كانت هناك شكوك لدي الجنوبيين على سياسات وزارة إسماعيل الأزهري التي تشكلت في يناير من نفس العام. وفي عام 1958 وبعد تولي إبراهيم عبود للسلطة قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين، وأدي ذلك إلى مطالبة الأحزاب الجنوبية وعلي راسهم "حزب سانو" باستقلال الجنوب، كما تم تشكيل حركة أنانيا التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963.
تم بحث تسوية سلمية للصراع، حيث عقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965. وفي عام 1972 تم توقيع اتفاقية أديس أبابا والتي أعطت للإقليم الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، إلا إنه في يوليو وسبتمبر من عام 1983 أصدر الرئيس جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم إلى ثلاثة أقاليم ونقل الكتيبة (105) وبعض الجنود إلى الشمال وإتهام قائدها كاربينو كوانين بإِختلاس أموال.
تم إرسل قوات لإخضاعها فأدي ذلك إلى هروبها إلى الادغال الاستوائية لتصبح فيما بعد نواة لجيش الرب، فكلفت الحكومة العقيد "جون جرنق" بتأديب الكتيبة، إلا إنه أعلن انضمامه إلى المتمردين مؤسسًا الحركة الشعبية لتحرير السودان ولها جناح عسكري عبارة عن جيش، وأعلن إن هدف الحركة هو "تأسيس سودان علماني جديد" قائم على المساواة والعدل الاقتصادي والاجتماعي داخل سودان موحد، وقام برفع شعارات يسارية فحصل علي دعم من إثيوبيا وكينيا خصوصًا الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا ميريام.
وبعد الإطاحة بنظام جعفر نميري عبر انتفاضة شعبية عام 1985 كان هناك أمل في التوصل إلى اتفاق مع الحركة، ولكنه فشل بعد اجتماع رئيس الوزراء الجديد الصادق المهدي مع قرنق بعام 1986. وفي نوفمبر من عام 1988 تم إبرام اتفاق بين قرنق ومحمد عثمان الميرغني في أديس أبابا والذي نص على تجميد قرارت سبتمبر 1983، ولكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد انقلاب يونيو 1989 بقيادة عمر البشير والتي تبنت شعار "الجهاد الإسلامي" ضد القوى الجنوبية مستعينة بتسليح مليشيات تدعى قوات الدفاع الشعبي، وحققت الحكومة عددة انتصارات عسكرية.
وفي أغسطس 1991 وبعد سقوط نظام منغستو في إثيوبيا وانشقاق الحركة الشعبية، حاولت الحكومة الاستفادة من هذا الانشقاق فأجرت الاتصال منفردة مع "لام أكول" بوثيقة عرفت باسم "وثيقة فرانكفورت" والتي وقعت في يناير من عام 1992، إلا أن الحكومة السودانية أنكرتها بعد ذلك. وفي مايو 1992 وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أجريت الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا، ثم الجولة الثانية في مايو من عام 1993، ولكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء. وتضاعفت الجهود الدولية من خلال "منظمة الإيجاد" إلى أن تم توقيع اتفاق اطاري يسمي "بروتوكول ماشاكوس" وذلك في يوليو من عام 2005 والذي أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، وحق تقرير المصير وفرصة للجنوبيين لتفكير في الانفصال، كذلك أعطى الفرصة في بناء مؤسسات الحكم الانتقالية كنوع من الضمانات.
وفي 9 يناير 2005 وقعت الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، والذي نصت بنودها على:
-حق تقرير المصير للجنوب عام 2011.
-اجراء انتخابات عامة علي كافة المستويات في مدة لا تتجاوز عام 2009.
-تقاسم السلطة بين الشمال والجنوب.
-تقاسم الثروة.
-إدارة المناطق المهمشة بين الشمال والجنوب.
- الترتيبات الأمنية.
بعد ذلك تم الاستفتاء على تقرير المصير في 9 يناير 2011 وصوت الجنوبيون للانفصال ثم تم الانفصال واعلان دولة جنوب السودان فى يوليو 2011 . لقد اظهر اصرار الجنوبيين على التصويت لصالح الانفصال اهمية قراءة اتفاق تقاسم الثروة فى حد ذاتة الا ان الاهم هنا هوتحديد الاسباب التى جعلت عملية تقاسم الثروة عنصرا حاسما فى علاقة الشمال بالجنوب.
لقد كان هناك العديد من الاسباب التى فرضت طرح قضية اقتسام الثروة على مفاوضات السلام السودانية والذى كان ابرزها هو البعد الاقتصادى لما له من دور رئيسى فى اندلاع الحرب الاهلية واستمرارها لماعانته منطقة الجنوب من عمليات تهميش فى برامج التنمية للحكومات السودانية المتعاقبة على اختلاف توجهاتها الايديلوجية.
على الجانب الاخر وفى مقابل هذا التهميش الجنوبى من الحكومة، كان الشمال يحظى بكل الاهتمام حيث استاثرت المناطق الشمالية بالمنشأت الخدمية من تعليم وصحة وغيرها ، كما اتجهت سياسات الاستثمار العامة الى التركيز على مشروعات التنمية العامة والخاصة فى الشمال وهو ماخلق تشوها اقتصاديا واجتماعيا فاصبح الشمال يسيطر على السلطة والثروة فى حين ان الجنوب يعانى التخلف والفقر.
لقد كان ذلك عاملا رئيسيا فى استفزاز الجنوب ورغبتة فى الحصول على بعض من الاهتمام الذى يحظى بة الشمال . كذلك كان لظهور النفط وتركز معظم حقوله في الجنوب وبدء إنتاج البترول بشكل تجاري وحصول السودان على عائدات منه بحيث أصبحت تمثل أساس الدخل القومي كان حافزا لمطالبة الجنوب في الثروة الكاملة وتغير مطالبهم من اقتسام الثروة والسلطة إلي المطالبة بحق تقرير المصير كخطوة نحو الانفصال .