السبت,7 يوليه 2012 - 08:48 م
: 25491    

كتب فريدة البنداري
farida852000@yahoo.com

تطور العلاقات المصرية السودانية منذ قيام ثورة 1952 مع قيام ثورة 23 يوليه 1952 في مصر، بدأت مرحلة جديدة في العلاقات المصرية السودانية ، تمثل التغير في المناخ الجديد، الذي أتاحته الثورة في سياستها تجاه السودان في السنوات الأولى، في موافقة مصر على منح السودان الحق في الحكم الذاتي وتقرير المصير، إذ أعلن الرئيس جمال عبدالناصر موافقته على إجراء استفتاء عام في السودان من أجل تقرير المصير،

fiogf49gjkf0d

، و"ذلك في إطار السودان الموحد شماله وجنوبه"، عندما أدرك أن هذه رغبة الأغلبية الساحقة للشعب السوداني. كما اعترفت مصر بالجمهورية السودانية المستقلة في الأول من يناير 1956 . ومرت العلاقات المصرية ـ السودانية بفترة من العلاقات المتميزة بين الدولتين
ارتبطت العلاقات المصرية السودانية بعد استقلال السودان، بِنَوْعِيّة نظام الحكم والسلطة الحاكمة، إذ أصبحت علاقات الدولتين مذبذبة بين التعاون أو التردد، بل والأزمة أحياناً.

وخلال فترات التعاون هذه، وقعت اتفاقية الانتفاع بمياه النيل في عام 1959، وإنهاء الحرب الأهلية في الجنوب وتوقيع اتفاقية "أديس أبابا" عام 1972، ومنهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي بين البلدين في 11 فبراير 1974، واتفاقية الدفاع المشترك عام 1976، وميثاق التكامل المصري ـ السوداني في أكتوبر 1977. وقد عدّ الجنوبيون اتفاقية الدفاع المشترك وميثاق التكامل موجهين إلى جنوب السودان، وأن مصر تدعم النظام السوداني ضد مطالبة الجنوبيين بالاستقلال.

كما ارتبطت فترات الأزمات بوصول إحدى القوى السياسية، غير المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصر، ولا تحمل وداً لحكومة القاهرة مثل: "حزب الأمة، والجبهة الإسلامية القومية". فقد سعت هذه القوى إلى السير بعيداً عن مصر، والبحث عن قوى إقليمية بديلة، مثل:" إثيوبيا، وليبيا، والمملكة العربية السعودية، وإيران"
وقد أثيرت قضايا كثيرة، خلال تطور العلاقات المصرية ـ السودانية منذ عام 1956، من أهمها الحرب الأهلية في جنوب السودان. وقد شكّلت هذه الحرب المدخل المناسب لتدخل القوى الأجنبية في شؤون البلاد والضغط لإسقاط حكوماته، بل والتأثير على بعض تلك الحكومات لفك ارتباطاتها المميزة مع مصر

فترة نميرى : خلال فترة حكم الرئيس نميري، وُضع برنامج لتوطين أكثر من مليوني فلاح مصري حول قناة جونقلي واعتقد الجنوبيون أن الجيش المصري سيأتي لحراسة القناة، وأن الفلاحين المصريين ربما يأتون لزراعة مناطق حول القناة ، ولذلك عملوا الجنوبيين على وقف الاعمال بهذه القناة .

فترة الصادق المهدي:  حكومة "الصادق المهدي" طلبت إلغاء ميثاق التكامل المصري السوداني، وأحلت محله ما أطلق عليه "ميثاق الإخاء"، وهو تعاون أقل كثيراً من التعاون الذي كان مخططاً له، طبقاً لميثاق التكامل.

فترة البشير : عقب ثورة الإنقاذ، بقيادة الفريق "عمر حسن البشير"، لقيت الثورة تأييداً من مصر، باعتبارها نظاماً وطنياً أتى ليحقق الاستقرار في السودان، ويحل أزمة الجنوب، وكذلك الأزمة الاقتصادية، التي بدأت تظهر بوادرها في حكم "الصادق المهدي" ، وحاول النظام السوداني الجديد الاستفادة من حالة الفتور السابقة بين مصر وحكومة الصادق المهدي. وقدم نفسه بوصفه نظاماً يسعى إلى توطيد العلاقات المصرية السودانية وأنه يهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في السودان، وهو توجه يتمشى مع السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان. ولكن في حقيقة الأمر كان النظام الجديد في السودان يسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف، منها:

-        توطيد أركانه واكتساب الشرعية الإقليمية والعربية، عبر البوابة المصرية.، السعي إلى تخفيف حدة الضغوط الأمريكية، التي بدأت الولايات المتحدة تمارسها على النظام، خاصة بعد أن حلّ النظام النّقابات المهنية والعُمالية، واعتقل بعض الزعماء السياسيين والعمال والمواطنين، وأصدر أحكاماً بالإعدام على بعض الشخصيات السياسية، كما صادر بعض الصحف.

-        محاولة حل مشكلة جنوب السودان، وقد طلب الفريق "عمر البشير" من الرئيس المخلوع  "محمد حسني مبارك" المساعدة في التوصل إلى حل سلمى للمشكلة.

- وفي محاولة لتنفيذ طلب الحكومة السودانية، عقدت مصر اجتماعين، الأول مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، والثاني مع وفد من ائتلاف أحزاب المعارضة السودانية. إلاّ أن العميد "محمد الأمين خليفة" عضو المجلس العسكري السوداني، انتقد في تصريح له هذه الاجتماعات، ووصفها بأنها تسمم العلاقات المصرية السودانية. وكان من الواضح أن السودان يسعى للحصول على دعم عسكري مصري، لحل مشكلة الجنوب .
- استجابت مصر لنداء الحكومة السودانية، وناشد الرئيس المخلوع "حسني مبارك"، عند حضوره احتفالات فرنسا بالعيد المائتين للثورة الفرنسية، زعماء الغرب بدعم النظام السوداني الجديد.

- أيّدت الحكومة المصرية النظام السوداني الجديد، وقدمت له الدّعم السياسي من أجل حصوله على الشرعية الإقليمية والعربية، وتخفيف حدة الضغوط الأمريكية. إلاّ أنها أبدت تخوفها من تصاعد أساليب العنف، التي يتبعها النظام تجاه قوى المعارضة السـياسية السودانية.

- كذلك أبدت تحفظها على الاتجاه نحو فرض نظام الحزب الواحد، والسـياسة المتخذة تجاه الجنوب، المتمثلة في اختيار الحل العسكري للمشكلة. ولم يقتصر موقف مصر فقط على موقف الحكومة تجاه السياسة الجديدة لنظام الحكم السوداني، بل تخطاها إلى موقف الشعب والأحزاب السياسية المصرية، التي رأت أن النظام انقلاب عسكري استولى على الحكم من حكومة ديموقراطية منتخبة من قبل الشعب، وأنه نظام أصولي إسلامي من شأنه أن يثير العديد من المشكلات والأزمات في المنطقة .

 عندما نشبت حرب الخليج الثانية، اتخذ السودان موقفاً مُدَعِّماً للعراق، وهو يخالف التوجه المصري الذي أيد الكويت،  وترددت أنباء عن نشر العراق لصواريخ أرض أرض، موجهة إلى مصر، في السودان، فهدد الرئيس "محمد حسني مبارك" بضربها، إذا ما ثبت صحة ذلك. وأدّى هذا الموقف إلى توتر حاد في العلاقات المصرية السودانية، ولكن لم تغير مصر موقفها إزاء مشكلة الجنوب

كونت أحزاب المعارضة السودانية تحالفاً، انضمت إليه الجبهة الشعبية لتحرير السودان. واختارت المعارضة الأسلوب العسكري لإسقاط النظام الحاكم، واستخدمت الأراضي الإريترية والإثيوبية لمهاجمة شرق السودان. كما نشطت بالمثل الهجمات العسكرية في الجنوب. وأصبح الأمر يشكل تهديداً بقيام حرب أهلية، خاصة مع تنامي ميليشيات الجبهة الإسلامية وأحزاب المعارضة. وازدادت حدة الأزمة بين السودان وإريتريا، التي اتهمت السودان بدعم حركة الجهاد الإسلامية الإريترية. وقطعت إريتريا علاقاتها الدبلوماسية مع السودان. وكذلك فرضت إثيوبيا قيوداً على علاقاتها مع السودان، نتيجة لاتهام السودان بالاشتراك في المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس محمد حسني مبارك على الأراضي الإثيوبية. ومع ازدياد دعوى انتهاك حقوق الإنسان، زادت حدة التوتر بين السودان والولايات المتحدة. وأصبح الموقف في السودان، يتسم بحدة التوتر داخلياً وإقليمياً وعالمياً. وأملى ذلك الموقف على السـودان، أن يلجأ إلى مصر لتهدئة الموقف، وهو ما تم عقب لقاء الرئيس "محمد حسني مبارك" مع الرئيس "عمر البشير"، على هامش مؤتمر القمة العربي في يونيه 1996

مع ازدياد حدة الموقف في السودان، دعا المجلس الانتقالي في السودان إلى تعاون محدود مع مصر، من أجل إيقاف ما أُطلق عليه "الاعتداءات الخارجية"، التي أعتبرها السودان تهديداً للمصالح الحيوية المصرية والسودانية معاً، بل هي تهديدات موجهة ضد مصر بالأساس. وتمت زيارة نائب الرئيس السوداني "اللواء الزبير" إلى مصر، في هذا الإطار.

آثرت مصر مبدأ عدم التدخل، أو التورط عسكرياً، في الحرب الأهلية في الجنوب، على أساس أنها مشكلة داخلية، وأن أطرافها أبناء شعب واحد، وأنها مشكلة يجب أن تُحل سلمياً في إطار وحدة السودان. لذا وقفت مصر أمام أي محاولة لتدويل المشكلة وإخراجها عن نطاق المواجهة الثنائية بين الطرفين، محاوِلة الحفاظ على علاقاتها مع كل من الحكومة السودانية وأطراف المعارضة.

وتؤكد مصر على أن الديموقراطية ووحدة السودان، مسألتان رئيسيتان في أي تسوية بين الحكومة والمعارضة، وأن مصر لن تقبل فكرة تقسيم السودان أو العبث بوحدته. وأن جميع قوى المعارضة اتفقت على ذلك، ونبذت فكرة قيام دولة في الجنوب، بما في ذلك "جون قرنق" نفسه، وأن أي عبث بوحدة السودان يؤثر إستراتيجياً على مصر والمنطقة العربية

رفضت مصر "ميثاق الخرطوم"، الذي وقعته الحكـومة مع بعض الفصائل الجنوبية الست في شهر أبريل 1997، انطلاقاً من رؤية مصر أن هذا الاتفاق سيؤدي إلى انفصال الجنوب. كذلك تحفظت مصر على بعض مواقف التجمع الوطني، ونتائج مؤتمراته التي عقدت في أسمرا، وتبنت مبدأ حق تقرير المصير وشككت  في نوايا الجيش الشعبي لتحرير السودان. وناقشت مصر ذلك كله مع الصادق المهدي وجون قرنق في القاهرة. وتتخوف مصر من تداعيات الحل العسكري للمشكلة، الذي تؤيده قوى دولية وإقليمية تتدخل في الشؤون السودانية.

يمثل السودان أهمية استراتيجية للأمن القومي المصري وهذا ما يفسره الوجود المصري الكثيف داخل السودان ، و خلال محادثات السلام عارضت مصر اي اتفاق يحوي بنودا قد تؤدي الى انفصال جنوب السودان الأمر الذي قد يهدد نصيبها من مياه النيل، كما ترى مصر ان انفصال الجنوب قد يؤدي الى حالة عدم استقرار في الشمال والجنوب على حد سواء وقد عارضت مصر على الدوام مبادرة منظمة الايقاد للسلام في السودان ومنذ التوقيع على اتفاق السلام الشامل عام 2005م.. يقال دائما ان مصر فعلت أكثر من السودان لجعل الوحدة جاذبة  ، الا ان ابناء الجنوب دائما ماكانوا يرفضون اى تدخل مصرى عربى .







التعليقات

الآراء الواردة تعبر عن رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

الأكثر قراءة

عقوبات التزوير في القانون المصري - عدد القراءات : 81634


الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد القراءات : 79121


تعريف الحكومة وانواعها - عدد القراءات : 57732


النظام السـياسي الفرنسي - عدد القراءات : 54823


طبيعة النظام السياسي البريطاني - عدد القراءات : 53234


مفهوم المرحلة الانتقالية - عدد القراءات : 51062


معنى اليسار و اليمين بالسياسة - عدد القراءات : 47550


مفهوم العمران لابن خلدون - عدد القراءات : 47281


ما هى البورصة ؟ و كيف تعمل؟ وكيف تؤثر على الاقتصاد؟ - عدد القراءات : 45689


منظمة الفرانكفونية(مجموعة الدول الناطقة بالفرنسية) - عدد القراءات : 45235


الاكثر تعليقا

هيئة الرقابة الإدارية - عدد التعليقات - 38


اللقاء العربي الاوروبي بتونس من أجل تعزيز السلام وحقوق الإنسان - عدد التعليقات - 13


ابو العز الحريرى - عدد التعليقات - 10


الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي: رياح التغيير تعصف بعروش الدكتاتوريات العربية - عدد التعليقات - 9


لا لنشر خريطة مصر الخاطئة او التفريط في شبر من أراضيها - عدد التعليقات - 7


الجهاز المركزي للمحاسبات - عدد التعليقات - 6


تعريف الحكومة وانواعها - عدد التعليقات - 5


الليبرالية - عدد التعليقات - 4


محمد حسين طنطاوي - عدد التعليقات - 4


أنواع المتاحف: - عدد التعليقات - 4


استطلاع الرأى