fiogf49gjkf0d
وجعل من منزله مقراً لعمل الحزب الشعبي التقدمي، وقد أسهم ذلك في تشكيل رودني مبكراً، وإدراكه للكثير من الحقائق السياسية والاجتماعية عن واقع الجماعة السوداء على مستوى العالم.
ولد في 23 مارس 1942 وظهرت قدراته الذهنية خلال سنوات دراسته الأولىً، فولع بدراسة اللغات الأجنبية، وشغف بمتابعة الأحداث السياسية. وأدى تفوقه الدراسي إلى حصوله عام 1960 على منحة دراسية للدراسة في جامعة غرب الإنديز West Indies University في جاميكا، حيث تخصص في التاريخ متأثراً بسمات المرحلة التاريخية التي عاصرها والتي تزامنت مع انتشار حركات التحرير الأفريقية في الكاريبي وفي داخل القارة، وكان الاستعمار والتمييز الذي عانى منه السود في الشتات من الدوافع الهامة التي دفعته لهذا التخصص.
أولى اهتماماً خاصاً بدراسة مرحلة تجارة الرقيق بين أفريقيا وأوروبا والعالم الجديد، لما لهذه المرحلة من آثار بالغة على تاريخ وحاضر ومستقبل القارة الأفريقية، وحصل على الدكتوراه عام 1966 من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن School Of Oriental and African Studies ، وكانت رسالته للدكتوراه بعنوان "تاريخ ساحل غينيا الأعلى 1545-1800.
عمل في حقل التدريس في عدة جامعات مثل جامعة دار السلام في تنزانيا، وجامعة غرب الإنديز وأخير جامعة جويانا بقسم التاريخ، وأدت معارضته لنظام الحكم وطبيعته الثورية إلي قيام الحكومة الجويانية بممارسة الضغوط على إدارة الجامعة لكى تلغى اختيارها له.
وسعى رودني إلى تحويل فكره النظرى إلى واقع عملى، فانضم إلى تنظيم عمالى حديث التكوين هو "ائتلاف الشعب العامل"، ألقى القبض عليه فى عام 1979 نتيجة لأنشطته المناهضة للحكومة، وأغتيل بتفجير جهاز الاتصال الخاص به فى الثالث عشر من يونيو عام1980 قبل محاكمته.
عاصر رودني مرحلة تاريخية شهدت العديد من التغيرات والأحداث والمشكلات، والتي أثرت على النظم السياسية والاقتصادية على مستوى العالم، وكذلك على القضايا الفكرية التى أصبحت محل اهتمام مفكرى المرحلة، من بينها نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الصراع الأيديولوجى، ونهاية الاستعمار التقليدى، و تغير طبيعة العلاقة بين الشمال والجنوب. كذلك تأثر بالتغيرات التي شهدها الواقع الأفريقي مثل حركات التحرير فى أفريقيا التي كانت تسعى لنيل الاستقلال وكذلك تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، كما عاصر مشكلات القارة في الفترة التالية للاستقلال وقدم رؤاه وتصوراته لحل هذه المشكلات.
ثانياً القضايا الفكرية:
1. دور الغرب فى تخلف أفريقيا:
اهتم رودنى بدراسة آثار المرحلة الاستعمارية على قضية التنمية فى أفريقيا، وأثر الخبرات التاريخية على تخلف القارة الأفريقية، ويرى أن أفريقيا قبل وصول الاستعمار قد عرفت المسئولية الجماعية، وشهدت تطوراً فى أدوات ممارسة الأنشطة الاقتصادية، وعرفت هذه المجتمعات كيفية استخراج المعادن والصهر وصناعة الأدوات التى تحتاجها الجماعات فى ممارسة الأنشطة الاقتصادية، وعرفت التخصص وتقسيم العمل من خلال ما سُمى بـ" نظام الطوائف".
يرى رودنى أن درجة التطور والتنمية التى عرفتها أفريقيا قبل الاستعمار كانت عاملاً هاماً فى تنمية الرأسمالية فى المجتمعات الغربية، وأنه بقدر ما أسهمت أفريقيا فى تطور وتنمية الغرب، لعب الغرب دوراً كبيراً فى تخلف القارة الأفريقية، فتجارة الرقيق أسهمت في ظهور وتطور العديد من الصناعات مثل صناعة السفن، والشحن، وفى تطور الملاحة البحرية وتكنولوجياتها، كما أدت إلى بروز مدن بعينها فى مجال الصناعة شكلت لاحقاً أساس الثورة الصناعية فى أوروبا، كما كانت أفريقيا مصدراً أساسياً للذهب الذى كان يشكل عملة التداول آنذاك، وسبب القوة الاقتصادية الآن، وكان لهذه العلاقة الأثر السلبى على أفريقي من خلال "الركود التقنى وتشويه الاقتصاد الأفريقي".
رفض رودني اعتبار الرأسمالية هي أعلى مراحل التنمية، وناقش أثر الاستعمار على الوضع التنموى فى القارة، ويرى أن تعبير التنمية الذى استُخدم من قبل السلطات الاستعمارية هو تعبير مختزل لتكريس الاستغلال الاستعمارى لموارد القارة لصالح تنمية الغرب، ويرى أن الاستعمار قام بتوظيف خصائص المجتمع الأفريقي لتكريس سلطته للقضاء على التنمية في القارة، بتكريس مفاهيم القبلية والإثنية والاختلافات الدينية والاجتماعية لتأجيج الصراعات.
أكد رودني أن الرأسمالية العالمية من مصلحتها أن تستمر حالة التخلف فى القارة، وأن السوق الذى نشأ على أساس الرق والاستعمار لن يسمح بتحقيق التنمية فى أفريقيا.
يرى رودني أن أدوات تحقيق التنمية في أفريقيا تتمثل في الاستفادة من الدروس التاريخية، والثورة والعنف كأدوات تغيير وتنمية، والتعليم كأداة للتنمية، والتنمية الذاتية واستخدام الموارد الأفريقية، وتصبح الاشتراكية مرجعية أيديولوجية تنموية لهذه الدول.
ثانياً: الاستعمار الجديد وأشكاله:
يرى رودنى أن القارة انتقلت من الاستعمار التقليدي إلى الاستعمار الجديد، القائم على الاستقلال الشكلي للدول الأفريقية، بينما القوى الخارجية هي التي تسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية، عن طريق استبدال الفئة الحاكمة الاستعمارية بفئة تنتمى إثنياً للقارة، ولكنها تخدم مصالح غربية، فهذه الفئة متشبعة بالقيم الرأسمالية وهى البرجوازية الصغيرة"، حيث تتركز السلطة في يد هذه الفئة، التي تعمل على تغييب المشاركة السياسية، وتعمل على تأجيج الإثنيات، والحط من قيمة الثقافة الوطنية، والتشويه المقصود للمفاهيم الثورية فى المجتمع، وعرقلة محاولات تحقيق التنمية، وأرجع رودني العديد من المشاكل المعاصرة للقارة مثل الكوارث، والتأخر التكنولوجى والكوارث الغذائية وتخلف الهياكل الانتاجية، إلى الاستعمار الجديد.
يرى رودنى أن أسباب انتشار الاستعمار الجديد فى أفريقيا بعد الاستقلال يكمن في غياب النماذج التاريخية، والتكوين الطبقى والفئات الحاكمة التى نتجت من الفترة الاستعمارية، والحقوق والامتيازات التي حصل عليها الغرب بموجب معاهدات واتفاقيات الاستقلال.
يرى رودني أن أدوات مواجهة الاستعمار الجديد في المجال السياسي هي مؤسسية الحركة الجماهيرية، والوحدة السياسي، وفي المجال الاقتصادي تشكل الاشتراكية، وتنوع مجالات التنمية، ورفض المعونات والاستثمارت الأجنبية الأدوات اللازمة لمواجهة هذا النمط من الاستعمار، وفي المجال الاجتماعي يعد تقدم التعليم، ودور المثقفين، والقوة السوداء، والوعى بالتاريخ، والنضج الطبقى أهم أدوات المواجهة.
ثالثاً: أثر علاقة أفريقيا بالغرب على التقسيم الطبقى والتكوين الإثنى:
اهتم رودني بدراسة موقع الجماعة السوداء فى الهيكل الاجتماعى للمجتمعات الأفريقية والكاريبية، وعلاقتة بالتكوين اللونى والإثنى بهذا الهيكل، وحاول تحليل إمكانية الحراك الاجتماعى فى هذه المجتمعات والوحدة بين أعضاء الطبقة العاملة لتكوين طبقة عاملة على درجة من الوعى تستطيع قيادة الصراع الاجتماعى الذى يكون مسئولاً عن التطور الاجتماعى والطبقى فى هذه المجتمعات، فقام بتقسيم المجتمع إلى ثلاث طبقات كما يلي:
الطبقة العليا: هى الطبقة المهيمنة على الحكم، وهي تمثل وفقاً لرودني المجموعة التى ورثت السلطة بعد نهاية الفترة الاستعمارية، وهي الفئة تعلى من القيم الغربية، وتتبع الرأسمالية، ويرى رودني أن هذه الفئة "سود البشرة ذو قلوب بيضاء"، ويرى أن أغلب هذه النظم فاقدة للشرعية السياسية.
الطبقة الوسطى: لم يُبد رودنى اهتماماً بدراسة الطبقة الوسطى يعادل اهتمامه بالطبقتين العليا والدنيا، ويمكن تفسير ذلك فى ضوء التوجه الاشتراكى الذى يتبناه، وكذلك لتأثره بطبيعة المجتمعات التى عاش فيها والتى عادة ما انقسمت إلى طبقتين، وقد أطلق على هذه الفئة ومن نتج عنها "المهاجرين" Immigrants وأحياناً الخلاسيين أو المخلطين Mullattos وذلك تمييزاً لها عن السود ومن انحدر منهم"الكريول" Creole، وهى فئات لا تقبل أن تصنف كسود، ولا تصل لدرجة الرفاهية التى تتمتع بها الفئات البيضاء.
الطبقة الدنيا وأساسها الإثنى: من أكثر الطبقات التى اهتم رودنى بدراستها وتحليل الأسس الإثنية التى تقوم عليها، ويرى أنها الطبقة التى جاء تكوينها فى فترة تجارة الرقيق فى الكاريبي، ومن العمال الذين أتوا بعقود للعمل بعد نهاية فترة الرق، وهى الطبقة التى لاقت أسوأ الخبرات العنصرية فى أفريقيا وخارجها. وفي الكتابات الأولى لرودني كانت الطبقة الدنيا هي الطبقة العمالية ذات الأصول الأفريقية الخالصة، مؤكداً على أن الانتماء اللوني هو الأساس في التقسيم الطبقي، محيداً عناصر النشاط الاقتصادي والدين واللغة والثقافة والموطن.
حاول رودني في المراحل المتقدمة من كتاباته أن يصل إلى الوحدة الطبقية بين العمال مستخدماً نفس الأدوات التي استخدمها الغرب للتأثير على وحدة هذه الطبقة وهي الانقسامات اللونية والاثنية، وبدأ في طرح أفكاراً عن الانتحار الطقبي للجماعات الملونة Class Suicide التي تعاني سوء الأحوال الاقتصادية، ولعل هذا التغيير يعود إلى تراجع الاستعمار بشكله التقليدى، والحاجة لطبقة موحدة تقود حركة الصراع الطبقى لتطوير المجتمعات، فضلاً عن تعرض الملونين لذات الخبرات العنصرية وسوء الحالة الاقتصادية.
توصل رودني من خلال دراسته للطبقات إلى افتقار الطبقات الاجتماعية في أفريقيا ودول الكاريبي لـ"الوعى الطبقى"، وإدراك أهمية تشكيل طبقة واحدة، وأن االاستعمار أدى إلى خلق وضع طبقى مشوه أدى إلى العديد من الآثار السلبية، من أهمها علاقة الهيمنة المحلية والاشتراكية الزائفة، وإجهاض تكوين الطبقات الوطنية لمنع الثورة الاجتماعية، والوقوف أمام الحراك الاجتماعى والمشاركة السياسية، وأن الهيمنة والسيطرة المحلية هى انعكاس للهيمنة العالمية.
ثالثاً الحلول التي طرحها رودني
أولاً: الوحدة السياسية بين الدول الأفريقية:
أولى رودني أهمية خاصة للوحدة السياسية من منطلق أنها تقدم حلولاً للعديد من التحديات التي تواجه القارة، مثل مشاكل الحدود السياسية، كما أنها أداة لمواجهة الاستعمار الجديد، وتسهم فى مواجهة العنصرية البيضاء، وهى كذلك أداة لتحقيق التنمية والدعم المتبادل بين الدول الأفريقية، وستشكل الهيكل المؤسسى للثورة السوداء، وكذلك مؤسسية القوة السوداء العالمية، وستسهم فى إعادة هيكلة العلاقات بين الجماعات فى القارة.
يرى رودني أن الجامعة الأفريقية هي السبيل لتحقيق الوحدة السياسية، فهى اتجاه لتوحيد السود فى الصراع من أجل التحرير والاستقلال، وقدم رؤية يكون فيها هيكل الجامعة الأفريقية هو البداية الفكرية لوحدة سياسية فى القارة الأفريقية بعد الاستقلال، ويرتكز جوهر هذه الوحدة على الإحساس والوعى المشترك وهو لونى بالأساس، وهى بالأساس حركة شعبية وليست سياسات فوقية من الطبقات الحاكمة، وهو يعول على طبقات العمال والفلاحين للقيام بهذه الحركة الشعبية الوحدوية.
ثانياً: أيديولوجية القوة السوداء:
يرى رودني أن القوة السوداء هى بناء فكرى تغييرى لواقع اجتماعى معين وجديد، ويرى أنها رد فعل "للقوة البيضاء" وممارساتها العنصرية، وهي ضرورية للوصول إلى التوازن بين الأسود والأبيض.
يعرف رودني "القوة السوداء" بأنها "حركة وأيديولوجية تنشأ عن حالة القهر التى تعرض لها السود، فهى بمثابة عقيدة للشعب الأسود، وهى عن الشعب الأسود، ويبُشر بها بواسطة الشعب الأسود، فهو يرى أن أن لون البشرة السوداء هي أهم سمات الأفارقة، أي أن القوة السوداء في فكر رودني هي اعتراض على حالة اليأس وسياسة عدم فعل شىء، وتسعى إلى منع استرار استغلال الإنسان الأبيض للإنسان الأسود، وتأمل هذه الحركة فى الوصول للقوة على المستوى العالمى فى المستقبل.
يتمثل الشق المعنوى/الفكرى لأيديولوجية القوة السوداء عند رودنى فى رفض أفكار دونية السود التى روجت لها القوة البيضاء، وأن القوة السوداء عليها أن تتعامل مع النواحى الفكرية والثقافية للمجتمع لتعديل الوعى الثقافى للأجيال الحديثة، وتكريس رموز وأسباب الرق والاستعمار والعنصرية لتصبح أسباب التماسك والقوة.
ويتثل الشق الحركى أو الجانب العملى من أيديولوجية القوة السوداء فى محاولة رودنى دفع السود لمراجعة العديد من جوانب حياتهم، والتى ستثبت أفضلية وسمو النماذج السوداء، وأنها ستكون هى الأجدر أن تتُبع، وأن هذه الجماهير ستقبل على ترك كل ما هو أبيض لصالح الأسود فى العديد من القيم والمجالات العملية.
ثالثاًً: إعادة كتابة التاريخ الأفريقى:
استخدم رودنى المنظور التاريخى فى الكتابات والرؤى التى قدمها، وناقش العديد من مشاكل القارة كالتنمية والاستعمار والاستعمار الجديد من منظور تاريخى، وفى سياق تطور العلاقات التاريخية لأفريقيا مع الرأسمالية العالمية. ورفض النسخة الغربية من تاريخ الإنسان الأسود ودعى إلى ضرورة إعادة النظر فى النماذج التى قدمها الغرب.
أكد على أن التاريخ يجب أن يشكل المرجعية التى تقوم عليها دراسات الوضع الأفريقي، كما أكد أن أفريقيا لن تكون قادرة على تحقيق التنمية دون إدراك السود لتاريخهم، ودعا إلى ضرورة إعادة كتابة التاريخ، وأهمية إعادة النظر فى بعض مراحل التاريخ الأفريقي حتى يسهل على الإنسان الأسود إدراك قيمة حضارته، والوعى بتطور علاقة القارة بالغرب، ودعا إلى ضرورة توظيف التاريخ كآداة كفاحية يمكن من خلالها إحداث التغيير الاجتماعى، فالتاريخ "يحلل كيف بدأت المشكلة، ومن خلاله يمكن إيجاد السبل والوسائل التى تسهل حل المشكلة على أرض الواقع".
يؤمن رودنى بأن التغيير لن يحدث فى القارة تحت المظلة الرأسمالية التى استُخدمت فى السابق لاستعمار واستغلال القارة، ومن خلال التاريخ سيدرك الأفارقة أن التغيير الذى سيحدث لابد أن يكون من خلال ثورة وعنف اجتماعى، حتى يستطيع الأسود أن يقوم بثورة وتغيير راديكالى فى مجتمعه يجب أن يكون قد تحرر نفسياً وفكرياً واقتصادياً.